نعمة سيناء في زمن الكورونا
قليلة هي البقاع التي وفّرها الوباء العالمي الجديد، ولعلّ محافظة شمال سيناء المصرية واحدة منها. فيبدو الحصار الذي تخضع له أشبه بـ”نعمة” اليوم.
تبدو محافظة شمال سيناء الواقعة شرقي مصر وحيدة في بين محافظات البلاد في زمن كورونا، فهي ما زالت حتى لحظة كتابة هذه الأسطر خالية من الفيروس الجديد. وهذا أمر يجعل أنظار المصريين تتوجّه إلى تلك المحافظة المهمّشة على مدى سنين طويلة، خصوصاً تلك التي تلت الانقلاب العسكري في صيف عام 2013، فيتساءلون عن أسباب عدم تسجيل حالات إصابة فيها، على الرغم من أنّ الفيروس لم يوفّر أيّاً من المحافظات المصرية بما في ذلك محافظة جنوب سيناء الجارة. والسبب الأبرز قد يكون جدّ بسيط، فشمال سيناء تعيش حصاراً محكماً يحول دون دخول أيّ مواطن من غير سكانها إليها بخلاف سواها، في ظلّ الإجراءات العسكرية المعقدة التي تغلقها من كلّ الاتجاهات.
في محاولة لتوصيف المشهد، يقول مصدر طبي في مستشفى العريش العام، إنّ “المحافظة ما زالت خالية من إصابات كورونا، على الرغم من حالات اشتباه تمّ حجرها احترازياً خلال الأسابيع الماضية ليتبيّن لاحقاً أنّ كلّ نتائجها سلبية. ويأتي ذلك في حين أنّ الإجراءات الوقائية والطبية العامة المتبعة في المحافظة تُعَدّ متواضعة بالمقارنة بمحافظات أخرى يتوسّع الفيروس فيها، ووسط ضعف في الإمكانيات المتوفّرة لدى مستشفياتها ومراكزها الصحية”. يضيف أنّ “الأمر يعود بداية إلى عدم مخالطة سكانها أيّ فرد من خارج المحافظة”، لافتاً إلى أنّ “مواجهة الفيروس في الأساس تستلزم حجر المواطنين إلزامياً في منازلهم خوفاً من مخالطتهم مصابين. وهذا ما تتّبعه الدولة على مستوى الجمهورية”.
يتابع المصدر نفسه أنّ “الوضع الصحي في المحافظة في حاجة إلى دعم وإسناد من غياب أيّ طارئ، فكيف الآن؟”، مؤكداً أنّ “ما يزيد الضغط على الكوادر الطبية في المحافظة هو أنّها تعيش وسط ظروف أمنية استثنائية في ظلّ استمرار العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش المصري لمواجهة الجماعات التكفيرية. بالتالي، فإنّ وصول الفيروس إلى المحافظة يعني كارثة إنسانية حقيقية، في ظلّ عدم قدرة مستشفياتها على استقبال أعداد كبيرة من المصابين وعدم توفّر غرف عناية مركّزة كافية لاستقبال من يكون في حالة حرجة من أمثال كبار السنّ والأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة، بالإضافة إلى قلة أجهزة التنفس الاصطناعي في مستشفيات المحافظة ونقص في الخبرات لدى الكوادر البشرية في ما يتعلق بالتعامل مع حالات الأوبئة والفيروسات، إلى جانب عدم توفّر المستلزمات اللازمة كالألبسة والأقنعة الطبية الواقية بشكل كافٍ”. ويكمل المصدر أنّ “هذا الوضع يستدعي تشديد الإجراءات الاحترازية على كلّ مداخل المحافظة ومخارجها، من خلال توفير نقاط طبية لفحص العائدين من مناطق غرب قناة السويس مثل محافظة الإسماعيلية وكذلك العائدين من محافظة بور سعيد ومحافظة جنوب سيناء”، مشدّداً على أنّ “الإجراءات الوقائية متوفّرة فقط للعائدين من غرب القناة، في حين أنّ الآخرين قادرون على الدخول إلى المحافظة بكلّ أريحية من دون الخضوع لأيّ فحوصات، وهو ما يفتح المجال أمام انتقال العدوى بواسطة أيّ مصاب من المحافظتَين المذكورتَين (بور سعيد وجنوب سيناء) اللتَين سجّلتا إصابات بالفيروس”. ويلفت إلى أنّ “ذلك يزيد المسؤولية أمام قيادتَي المنظومة الصحية والأمنية في شمال سيناء، ويدعوهما إلى حشد الطاقات في سبيل الحؤول دون وصول الفيروس إلى المحافظة”.
ويتابع أحمد أنّ “أهالي سيناء لم يجدوا حسنة في الحصار المفروض عليهم سوى تأخير وصول الفيروس إليهم اليوم، علماً أنّ هذا الحصار يحدّ بشكل كبير من تحركاتهم في داخل المحافظة أو إلى خارجها مع تحديد مواعيد لذلك”. ويكمل أنّ “إجراءات الطوارئ التي اتّخذتها الدولة ساهمت في عدم وصول الفيروس كذلك، إذ لا تسمح لأيّ مواطن لا يحمل بطاقة شمال سيناء بالعبور إليها، بالإضافة إلى منع الوفود الأجنبية والسياحية من الدخول ومنع صيادي المحافظة من الإبحار منذ سنوات. هكذا، فإنّ عدم احتكاك الأهالي مع أيّ شخص من خارج محافظتهم براً وجواً وبحراً، يبقيها خالية من الإصابات حتى الآن، دوناً عن المحافظات المصرية الأخرى”. ويوضح أحمد أنّ هذا الأمر “يؤكد الحديث المتكرر عن أنّ شمال سيناء تعيش في حصار مطبق منذ سنين من دون أن يلتفت أحد إليها، وينفي القول إنّ الحصار والتضييق على المواطنين مجرّد شائعتَين”، مشيراً إلى أنّ “وسائل الإعلام التابعة للنظام تتحدّث عن أنّ عزل شمال سيناء هو السبب الوحيد في عدم وصول الفيروس إليها”.